في تمام الساعة 3:17 فجرًا، اهتزّت الأرض بقوةٍ غير مألوفة.
زلزال عنيف ضرب مدينة "حرّان" الواقعة في منطقة جبلية نائية، فأحال المباني القديمة إلى كتل من الحجارة، والدروب إلى غبار كثيف يغمر كل شيء.
في تلك اللحظة، كان "فراس" نائمًا في الطابق الأرضي من منزل متواضع بناه بيديه مع والده الراحل.
استيقظ على صوت تصدّع السقف، ثم عتمة شاملة… وسكون مخيف.
اللحظة الأولى: الظلام
عندما استعاد وعيه، وجد فراس نفسه مدفونًا تحت كومة من الركام.
كل ما يستطيع تحريكه هو إصبعاه اليمنى وبعض الهواء الذي يمر عبر فتحة صغيرة عند رأسه.
لا صوت، لا ضوء، لا إحساس بالزمن… فقط الألم، والخوف، وذاكرة مشوشة.
لكنه لم يفكر بالموت.
أول شيء خطر بباله كان:
"هل أمي نجت؟ هل أخي الصغير بخير؟"
الصراع الداخلي: أن تستسلم أو تقاتل
مرّت الساعات، وربما الأيام. لم يعرف فراس.
كان يسمع أحيانًا صوت حفارات، ثم تختفي.
يشعر بقشعريرة برد، ثم حرارة مفاجئة.
لكنه رفض أن يستسلم.
بدأ في خدش الحجارة التي حوله بأظافره.
يردد الأدعية، يحاول تحريك جسمه قليلًا كل ساعة.
وفي ذهنه، صورة واحدة لا تغيب: أمه تبكي، وهو غير قادر على الوصول إليها.
المفاجأة: صوت حياة
في الليلة الثالثة، كما يظن، سمع فجأة صوت طفل يبكي.
لم يكن في رأسه… بل واضحًا.
صرخ بأعلى صوته، طرق على الحجارة، حتى سُمع.
الصوت الآخر كان طفلًا صغيرًا، من بيت مجاور، سقط في فجوة مفتوحة وتاه داخل الأنقاض.
كان أقرب إليه مما يتخيل.
فهم فراس أن هذا الطفل هو فرصته… ليس فقط للبقاء، بل للإنقاذ.
خطة الهروب
بدأ فراس يتواصل مع الطفل، يسأله عن الضوء، عن أي فتحة، عن أي رائحة.
وفي ساعات طويلة من التوجيهات، ساعد الطفل على الاقتراب من فتحة كان الهواء يتسرب منها.
ثم طلب منه أن يصرخ… أن يواصل الصراخ حتى يسمعه أحد.
وبالفعل، بعد وقت بدا أبديًا، وصل المنقذون.
سمع فراس أول مرة جملة:
"فيه صوت! فيه ناس عايشة جوّه!"
المعجزة: الخروج من العدم
بعد أكثر من 89 ساعة تحت الأنقاض، خرج فراس إلى النور، محمولًا على نقالة، ضعيفًا لكن حيًا.
أول ما قاله وهو يبكي:
"الولد؟ طلع معايا؟"
الطفل خرج حيًا كذلك… وكان قد قال للمنقذين:
"أنا ما كنتش حعرف أطلع… بس الراجل اللي في الظلمة كان معايا."
ما بعد النجاة
تحوّل فراس من مجرد ناجٍ إلى رمز حيّ للصمود.
قصته تصدّرت الصحف، وانتشر اسمه في نشرات الأخبار.
لكنه لم يهتم بالشهرة.
كان يزور كل يوم موقع بيته المدمّر، يحمل وردة، ويضعها فوق حجر قال إنه كان "وسادته المؤقتة" في تلك الأيام.
ويقول دائمًا:
"أنا لم أخرج لأنني قوي… خرجت لأن هناك من انتظرني."
الخاتمة
في لحظات الظلام الكامل، لا يُضيء الطريق سوى الإرادة.
قصة فراس تُثبت أن الإنسان قادر على التحدي حتى في أقسى الظروف، وأن الأمل… يمكن أن يولد من تحت الأنقاض.